language: English / Arabic / Kurdish

السيرة الذاتية

كامل شياع عبد الله

كامل شياع عبدالله، الذي أغتيل في بغداد في 23 آب (اغسطس) 2008 عن عمر 54 عاماً، كان ضمن عدد قليل من المثقفين العراقيين البارزين الذين قرروا العودة الى بلدهم بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية، على أمل الاحتكام للعقلانية في مواجهة الفوضى السياسية والفكرية والإجتماعية التي يمر بها العراق والمنطقة بشكل عام. شغل الراحل كامل شياع منصب المستشار في وزارة الثقافة العراقية، وعمل مع أربعة وزراء تعاقبوا على حقيبتها، من ضمنهم ضابط شرطة وإمام جامع عينوا وفق نهج المحاصصة الطائفية. كما تولى مهمة المنسق الوطني العام للجنة حماية التراث العراقي لدى منظمة اليونيسكو. وبفضل معرفته المتميزة وإجادته لأربع لغات أوربية وبطلاقة، اصبح كامل شياع الشخصية المحورية في عمل وزارة الثقافة العراقية.

ولد كامل شياع في بغداد يوم 5 شباط (فبراير) 1954، وهو الابن الثاني لعائلة بغدادية كبيرة. درس وتعلم في بغداد، وتخرج كمدرس لمادة اللغة الإنكليزية، مستفيداً من نظام التعليم المجاني الذي أدخله الزعيم عبد الكريم قاسم واستمر لغاية السنوات الأولى من سيطرة حزب البعث، وقبل تولي صدام حسين رئاسة الجمهورية. ومثله مثل بقية المثقفين العراقيين، رفض الراحل كامل شياع الإنتماء الى حزب البعث إثر سياسة تبعيث نظام التعليم، ما حدا به الى مغادرة العراق في 1979. استقر في مدينة لوفان البلجيكية في 1983، بعد إقامة قصيرة في الجزائر حيث عمل مدرساً للغة الإنكليزية، وإيطاليا التي نشر فيها قاموساً، إنكليزي-إيطالي-عربي، للمسافرين ورجال الأعمال. حصل على شهاد الماجستير في الفلسفة من جامعة لوفان الكاثوليكية عن أطروحته "اليوتوبيا كموقف نقدي" والتي حازت على درجة الإمتياز (3A).

خلال سنوات المنفى، وسّع الراحل كامل شياع إهتماماته بالثقافة والفلسفة الأوربية لتشمل الرسم، السينما، المسرح، وفن الفوتوغراف. كتب وحاضر في طيف واسع من المواضيع، ما أكسبه مكانة مرموقة بين أبناء الجاليات العراقية في المنفى، وأقام علاقات صداقة واسعة مع مواطنين من جنسيات وخلفيات مختلفة. ظل المنفى شاغل عمله الأكبر، ولكن ليس كموضوع يسعى فيه الى موقف استعراضي: "... إن أمكن لأي لغة ان تلتقط هذه الخبرة الحقيقية، فانها تلك المتعلقة بتبادل الحديث العابر، العادي، في المحادثة اليومية". وكان هذا الغياب المطلق للتظاهر رافقه دوماً إبتسامة ولطف وحديث هادئ عند تناول أي موضوع وبغض النظر عن محدثه، يغذيه اطلاع موسوعي مدهش.

عمل كامل صحافياً خلال إقامته في مدينة لوفان، وكتب في مواضيع مختلفة لصحيفة "الحياة" اللندنية، ومجلة "الوسط" اللندنية، ومجلة "مواقف" الفصلية، ومجلة "الثقافة الجديدة" الشهرية الصادرة في بغداد، وراديو "في. آر. تي" الدولي - القسم العربي- بروكسل، وقسم التلفزيون الدولي لوكالة اسوشيتد برس (أي. بي. تي. إن) - بروكسل. وحال عودته الى بغداد، شجع الصحافيين العراقيين الشباب على أخذ المبادرة والتعلم أكثر عن دورهم في زمن صعود وسائل الإعلام. وكانت لدى كامل قناعة عميقة بأن الإعلام هو "نسيج الديمقراطية"، خصوصاً في دولة هشة مثل العراق بعد الغزو الأمريكي، اذ يلعب دوراً مهماً في تغذية النزاعات أو إخمادها.

ومثله مثل بقية المنفيين، بعدما رحب بإسقاط نظام صدام حسين، واستنكر في الوقت ذاته مشروع الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، لم تكن للراحل كامل رغبة في التورط بما بدا تالياً كارثة حقيقية. ولكن في نهاية العام 2003، قرر بأن العراق يحتاج الى أمثاله لإضفاء نوع من العقلانية على الخطاب العام، واضعاً جانباً اعتراضات أفراد عائلته وأصدقائه، ما حدا به الى العودة الى العراق وعيّن بعدها في وظيفته التي شغلها لغاية إغتياله.

أغتيل كامل شياع إثر عملية خطط لها ونفذت بطريقة إحترافية عند عودته من شارع المتنبي للكتب لزيارة بيت والدته وتناول الغداء معها، وقد جرح سائقه خلالها. كان يكره الحمايات المبالغ بها، ولم يكن بصحبته أحد ذلك اليوم. ويأتي إغتياله وسط موجة من الإغتيالات استهدفت صحافيين عراقيين مستقلين، قسم منهم يعمل مع وسائل اعلام أجنبية. وفي هذا السياق يمكن النظر اليه كجزء من حملة لقمع الاصوات الموضوعية لمصلحة مشروع مناهض للعقلانية ومناهض للتاريخ، ولربما واحداً من مشاريع عدة كهذه.


بقلم؛ فيصل عبد الله